الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الثاني: المرجوم بقول أو فعل، ومنه قول الأعشى:
الثالث: أنه الشتيم. زعم الكلبي أن السموات كلها لم تحفظ من الشياطين إلى زمن عيسى، فلما بعث الله تعالى عيسى حفظ منها ثلاث سموات، إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظ جميعها بعد بعثه وحرسها منهم بالشهب.قوله عز وجل: {إلا من استرق السمع} ومسترق السمع من الشياطين يسترقه من أخبار الأرض دون الوحي، لأن الله تعالى قد حفظ وحيه منهم.ومن استراقهم له قولان:أحدهما: أنهم يسترقونه من الملائكة في السماء.الثاني: في الهواء عند نزول الملائكة من السماء، وفي حصول السمع قبل أخذهم بالشهاب قولان:أحدهما: أن الشهاب يأخذهم قبل وصولهم إلى السمع، فيصرفون عنه.الثاني: أنه يأخذهم بعد وصول السمع إليهم.وفي أخذهم بالشهاب قولان:أحدهما: أنه يخرج ويحرق ولا يقتل، قاله ابن عباس.الثاني: أنه يقتل، قاله الحسن وطائفة.فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان:أحدهما: أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، قاله ابن عباس: ولذلك انقطعت الكهانة.الثاني: أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن، ولذلك ما يعودون إلى استراقه، ولو لم يصل لانقطع الإستراق وانقطع الإحراق.وفي الشهب التي يرجمون بها قولان:أحدهما: أنها نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود، كما إذا أحرقت النار لم تعد.الثاني: أنها نجوم يرجمون بها وتعود إلى أماكنها، قال ذو الرمة: قوله عز وجل: {والأرض مددناها} أي بسطناها. قال قتادة. بسطت من مكة لأنها أم القرى. {وألقينا فيها رواسي} وهي الجبال.{وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} فيه أربعة أقاويل:أحدها: يعني مقدر معلوم، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير، وإنما قيل {موزون} لأن الوزن يعرف به مقدار الشيء. قاله الشاعر: الثاني: يعني به الأشياء التي توزن في أسواقها، قاله الحسن وابن زيد.الثالث: معناه مقسوم، قاله قتادة.الرابع: معناه معدود، قاله مجاهد.ويحتمل خامسًا: أنه ما يوزن فيه الأثمان لأنه أجل قدرًا وأعم نفعًا مما لا ثمن له.قوله عز وجل: {وجعلنا لكم فيها معايش} فيه ثلاثة تأويلات:أحدها: أنها الملابس، قاله الحسن.الثاني: أنها المطاعم والمشارب التي يعيشون فيها، ومنه قول جرير: الثالث: أنها التصرف في أسباب الرزق مدة أيام الحياة، وهو الظاهر.{ومن لستم له برازقين} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنها الدواب والأنعام، قاله مجاهد.الثاني: أنها الوحوش، قاله منصور.الثالث: العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم {نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31]. قاله ابن بحر. اهـ.
والثاني: أنه قد كان ذلك قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، فروى مسلم في صحيحه من حديث علي بن الحسين عن ابن عباس قال: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه، إِذ رمي بنجم، فاستنار، فقال: ما كنتم تقولون إِذا كان مثل هذا في الجاهلية»؟ قالوا كنا نقول: يموت عظيم، أو يولد عظيم، قال: «فإنها لا يُرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكنْ ربُّنا إِذا قضى أمرًا، سبَّح حملة العرش، ثم سبَّح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهلَ هذه السماء، ثم يستخبر أهل السماء السابعة حملةَ العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ثم يستخبر أهلُ كل سماءٍ أهلَ سماءٍ، حتى ينتهي الخبر إِلى هذه السماء، وتخطف الجن ويُرمَون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرِفون فيه ويزيدون».وروي عن ابن عباس أن الشاطين كانت لا تُحجب عن السموات، فلما وُلد عيسى، مُنعتْ من ثلاث سموات، فلما وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُنعوا من السموات كلِّها.وقال الزهري: قد كان يرمى بالنجوم قبل مبعث رسول الله، ولكنها غُلِّظت حين بُعث صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهب ابن قتيبة، قال: وعلى هذا وجدنا الشعر القديم، قال بشر بن أبي خازم، وهو جاهلي: وقال أوس بن حَجَر، وهو جاهلي: قوله تعالى: {إلا من استرق السمع} أي: اختطف ما سمعه من كلام الملائكة.قال ابن فارس: استرق السمع: إِذا سمع مستخفيًا.{فأتبعه} أي: لحقه {شهاب مبين} قال ابن قتيبة: كوكب مضيء.وقيل: {مبين} بمعنى: ظاهر يراه أهل الأرض.وإِنما يسترق الشيطان ما يكون من أخبار الأرض، فأما وحي الله عز وجل، فقد صانه عنهم.واختلفوا، هل يَقتل الشهاب، أم لا؟ على قولين:أحدهما: أنه يُحرق ويخبِّل ولا يقتُل، قاله ابن عباس، ومقاتل.والثاني: أنه يقتُل، قاله الحسن.فعلى هذا القول، هل يُقتَل الشيطان قبل أن يخبِر بما سمع، فيه قولان:أحدهما: أنه يُقْتَل قبل ذلك، فعلى هذا، لاتصل أخبار السماء إِلى غير الأنبياء.قال ابن عباس: ولذلك انقطعت الكِهانة.والثاني: أنه يُقتَل بعد إِلقائه ما سمع إِلى غيره من الجن، ولذلك يعودون إِلى الاستراق، ولو لم يصِل، لقطعوا الاستراق.قوله تعالى: {والأرضَ مددناها}أي: بسطناها على وجه الماء {وألقينا فيها رواسي} وهي الجبال الثوابت {وأنبتنا فيها} في المشار إِليها قولان:أحدهما: أنها الأرض، قاله الأكثرون.والثاني: الجبال، قاله الفراء.وفي قوله: {ومن كل شيء موزون} قولان:أحدهما: أن الموزون: المعلوم، رواه العَوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد ابن جبير، والضحاك.وقال مجاهد، وعكرمة في آخرين: الموزون: المقدور.فعلى هذا يكون المعنى: معلومَ القَدْر كأنه قد وُزِن، لأن أهل الدنيا لمَّا كانوا يعلمون قدر الشيء بوزنه، أخبر الله تعالى عن هذا أنه معلوم القَدْر عنده بأنه موزون.وقال الزجاج: المعنى: أنه جرى على وَزْنٍ من قَدَر الله تعالى، لا يجاوز ما قدَّره الله تعالى عليه، ولا يستطيع خَلْقٌ زيادةً فيه ولا نُقصانًا.والثاني: أنه عنى به الشيء الذي يُوزَن كالذهب، والفضة، والرصاص، والحديد، والكُحل، ونحو ذلك، وهذا المعنى مروي عن الحسن، وعكرمة، وابن زيد، وابن السائب، واختاره الفراء.قوله تعالى: {وجعلنا لكم فيها معايش} في المشار إِليها قولان:أحدهما: أنها الأرض.والثاني: أنها الأشياء التي أَنبتت.والمعايش جمع معيشة.والمعنى: جعلنا لكم فيها أرزاقًا تعيشون بها.وفي قوله تعالى: {ومن لستم له برازقين} أربعة أقوال:أحدها: أنه الدواب والأنعام، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.والثاني: الوحوش، رواه منصور عن مجاهد.وقال ابن قتيبة: الوحش، والطير، والسباع، وأشباه ذلك مما لا يرزقه ابن آدم.والثالث: العبيد والإِماء، قاله الفراء.والرابع: العبيد، والأنعام، والدواب، قاله الزجاج.قال الفراء: و{مَنْ} في موضع نصب، فالمعنى: جعلنا لكم فيها المعايش، والعبيد، والإِماء.ويقال: إِنها في موضع خفض، فالمعنى: جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين.وقال الزجاج: المعنى: جعلنا لكم الدواب، والعبيد، وكُفيتم مؤونة أرزاقها.فإن قيل: كيف قلتم: إن {مَنْ} هاهنا للوحوش والدواب، وإِنما تكون لمن يعقل؟ فالجواب: أنه لما وُصفت الوحوش وغيرها بالمعاش الذي الغالب عليه أن يوصَف به الناسُ، فيقال: للآدمي معاش، ولا يقال: للفرس معاش، جرت مجرى الناس، كما قال: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} [النمل 18]، وقال: {رأيتهم لي ساجدين} [يوسف 4]، وقال: {كلٌّ في فلكٍ يسبَحون} [الأنبياء: 33]، وإِن قلنا: أُريدَ به العبيد، والوحوش، فإنه إِذا اجتمع الناس وغيرهم، غُلِّب الناس على غيرهم، لفضيلة العقل والتمييز. اهـ.
|